حياة الامام الحسن (ع) المجتبى - بقلم: العلامة باقر شريف القرشي
Imam Al-Khoei Islamic Store
سعر البيع
$ 39.95
السعر العادي
$ 54.95
سيرة موسعة للإمام الثاني الحسن المجتبى (ع)
مقدمة
(1)
بسم الله الرحمن الرحيم
إن للإمام أبي محمد الحسن (عليه السلام) تاريخاً باهراً حافلاً بأروع صفحات البطولة والجهاد، فهو صاحب أخلاق كريمة تنبض بالعدل والتقوى، وحياته تتدفق بالقدرات الفريدة والميول الحميدة، وتجتمع في تلك الشخصية الصفات الأخلاقية النبيلة والأفكار الأصيلة والفكر العميق، وقد أجمع أهل السير على أن الحسن كان من أحلم الناس، وأقدرهم على كظم الغيظ، والصبر على المكروه والمكروه، وكان لطيفاً مع الناس، يعفو عنهم ويصفح عن زلاتهم، وكان كجده النبي (صلى الله عليه وآله) الذي شمل أخلاقه وحلمه الناس أجمعين.
وقد كان هناك شاهد كاف يدل على رحمته العظيمة، وهو مروان بن الحكم الذي كان خصمه اللدود. فقد أسرع مروان ليحمل جثمان الحسن، ولكن الحسين سيد الشهداء استغرب ذلك وسأله: "لماذا حملت جثمانه وقد حزنت عليه؟".
فقال مروان: فعلت ذلك بمن كان حلمه كالجبال.
ولم يكن الحسن عليه السلام من أرحم الناس فحسب، بل كان من أبرزهم في الصواب في الرأي، وقد تجلى ذلك في صلحه مع معاوية، فقد تجنب فتح باب للحرب، فقد كانت البلاد عامرة بالأحزاب، وكان رؤساء العشائر وقادة الجيوش يبيعون لمعاوية ضمائرهم، وقد انضموا إلى معسكر معاوية لا لإيمانهم بأمره، بل طمعا في ماله، واستجابوا لرغباتهم النفسية، طالبين النفوذ والهيمنة والثروة الوفيرة. ثم إن مقاتلي الحسن عليه السلام كانوا أشراراً فظين، يفضلون السلم على الحرب. وهناك عوامل أخرى سنذكرها بالتفصيل في الكتاب. وعليه فقد استسلم الإمام الحسن عليه السلام للأمر الواقع، وصالح معاوية، وبذلك استطاع أن يحمي الناس، ويحقن دماءهم، وينقذهم من عواقب وخيمة لا يعلم خطورتها إلا الله. وقد أجمع المؤرخون على أن الحسن كان أجود الناس، وأعظمهم عطاءً لعباد الله، وألطفهم بالفقراء والمحرومين، فلُقِّب بالجواد.
من أهل البيت مع أنهم أصل الجود والكرم، فكانت تأتيه جماعات من الفقراء والمساكين، فيعطف عليهم، وينقذهم بعطاياه الكثيرة من السؤال والحاجة.
وقد أجمع المؤرخون على أن الحسن (عليه السلام) كان أعبد أهل زمانه، وأتقى أهل زمانه، وأعظمهم ورعاً وتقوى لله، فقد حج إلى بيت الله الحرام خمساً وعشرين مرة، وقام بكل الأعمال التي يتقرب بها إلى الله، وتحرر من ملذات الدنيا، وأعرض عن غرائبها، وسنذكر ذلك بالتفصيل عند الحديث عن مثله العليا وجوانب شخصيته العظيمة.
(2)
إننا نواجه مشكلة في تاريخ الإمام أبي محمد الحسن، وهي أن بعض الأحاديث قد وضعت وأضيفت إلى تاريخه الباهر، وقد أدخل المؤرخون المأجورون للسلطة الحاكمة هذه الأحاديث في التاريخ الإسلامي، ونسبوا إليه ما كان بعيداً عنه، فاتهموه بأنه عثماني الميول، وأنه ندد بأبيه (الإمام علي) يوم الدار، لأنه لم ينصر عثمان، ولم ينقذه من الثوار، وذكروا أنه كان يظن أن أباه لم يستجب لرغبات الناس الذين هتفوا باسمه وأصروا على ترشيحه للخلافة، ولكن أمير المؤمنين (الإمام علي) كما يقول المؤرخون عصى هؤلاء واستجاب لدعوة الثوار.
لقد وجه المؤرخون اتهامات إلى حياة الإمام الحسن المتألقة، فقالوا إنه تزوج وطلق نساء كثيرات، وبالغوا حين قالوا إنه في أغلب أيامه تزوج امرأة وطلق أخرى، وأرادوا بذلك أن يحطوا من قدره، وكتب المؤرخون هذه التقارير، واعتمد عليها الكتاب المعاصرون، وعلى رأسهم الدكتور طه حسين [1] . وقد مال إلى هذه الروايات وأرسلها إلى القراء، ولكن كان عليه أن يتأكد من إسنادها، حتى يتبين له أن المرويات متهمات بالتلفيق والانحراف عن أهل البيت، وقد رددنا على مجموعة كبيرة منها في دراساتنا، وبينا مواطن الضعف فيها سواء في إسنادها أو غيره.
-------------------------------------------------------------
[1] اعتمد الدكتور طه حسين في كتابه علي وبنوه على الروايات الموضوعة، وسنذكرها وننتقدها في الكتاب.
إن أهم ما تقتضيه ضرورة البحث هو أن نتحقق من الأخبار لنعرف من رواها ونتأكد منها، فنعتمد على روايات من رووا على صواب، ولم يتهموا في دينهم، ونعتمد عليهم في بناء التاريخ الإسلامي، ولا نعتمد على هؤلاء الرواة الذين يتبعون الحكام، ويكتبون لأغراضهم، ويعززون سلطانهم، ولا يلتفتون إلى الدين، ويكذبون، ولذلك كان لزاماً علينا أن نرفض رواياتهم ولا نعتمد عليها، وقد أمرنا الإسلام صراحة بالتأكد من أخبار من اتهموا في دينهم، قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين} [1] . الآية واضحة في وجوب التدقيق في أخبار الكافرين، فأي ذنب أعظم من الكذب والتلفيق عمداً؟ والآية عموماً تشمل الأخبار الموضوعة ومنها الأخبار عن الأحداث التاريخية وغيرها.
ونستغرب أن يكتفي بعض الكتاب بروايات أبي هريرة الدوسي ويقبلونها [2]. وسمرة بن جندب وهو جلاد، وقد اعتمدوا على مثل هذه الروايات في بناء العقيدة الإسلامية، وكثير منهم لا يتفق مع سلطان العقل والحكمة، ويخالفون في الوقت نفسه تعاليم الإسلام التي لا تؤمن بالخرافات والأوهام.
ويجب على كل باحث أن ينظر بعناية في الأخبار سواء كانت متعلقة بأمور الدين أو غير ذلك، ويجب عليه أن يرفض ما رواه المراوغون وعملاء السلطة.
(3)
لقد كان من الأمور البارزة في عصر الإمام الحسن (عليه السلام) أن انتشرت بعض الأحزاب، وتفاعلت اتجاهاتها، فمثلاً الحزب القرشي الذي تكوّن قبل وفاة النبي (عليه السلام) قرر أن يسحب منصب الخلافة الإسلامية من أهل البيت (عليهم السلام)، وذلك لعدة أسباب منها: تسرعهم في السلطة، وحسدهم لأهل البيت (عليهم السلام) على ما وهبهم الله من الصفات والمواهب، وقد روي عنهم أنهم قالوا: إن النبوة والخلافة لا يجتمعان في بيت واحد، بل لا يجتمعان في بيت واحد.
-------------------------------------------------------------
[1] القرآن الكريم، 49، 6.
[2] ذكر الإمام شرف الدين في كتابه (أبي هريرة) خرافات أبي هريرة، كما ذكر العلامة الكبير الشيخ محمود أبو رياح في كتابه (الشيخ المديرة) خرافات أبي هريرة وأكاذيبه.
"بيت واحد" وقد كذب ابن عباس هذا القول بأدلته القوية أثناء حواره مع عمر بن الخطاب، فبعد حديث طويل قال له عمر: "يا ابن عباس، هل تدري ما منع قومك أن يختاروك بعد محمد (ص)؟"
قال ابن عباس: كرهت أن أجيبه، فقلت له: إن كنت لا أعلم فإن أمير المؤمنين يعلم!
قال عمر: كرهوا أن يجمعوا لك النبوة والخلافة، فتظلم قومك وتفرح، فاختارت قريش لأنفسها ما هي عليه، فأصابت وأفلحت.
ولم يستطع ابن عباس أن يواجه عمر ليكذب على قوله، فقد خاف من قسوته وفظاظته، فاستأذنه ليصارحه بالحقيقة، وقال له: يا أمير المؤمنين، إن أذنت لي في الكلام ولم تغضب علي تكلمت.
فقال عمر: تكلم يا ابن عباس.
"يا أمير المؤمنين، أما قولك: (إن قريشاً اختارت لنفسها أمراً فأحسنت وأفلحت)، فلو اختارت قريش لأنفسها حين اختارها الله لها لكان الصواب في أيديها، ولما أنكرها ولم يحسدها أحد، وأما قولك: (إنهم أبوا أن تبلغنا النبوة والخلافة)، فإن الله عز وجل وصف بعض الناس بالبغضاء حين قال: (ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم) [1] .
فأذى ابن عباس عمر بكلامه، فقال له عمر: يا ابن عباس، لقد جاءني عنك أشياء لا أريد أن أحدثك بها، فيزعزع هيبتك عندي.
فخاف ابن عباس من عقاب عمر، فأجابه بصوت خافت: «ما هي يا أمير المؤمنين؟» فإن كانت حقًّا فلا تزيل عنك منصبي، وإن كانت باطلة فإني أزيل الباطل عن نفسي.
فهدأ عمر، وقال: بلغني أنك قلت: إنهم صرفوا عنا الخلافة حسداً وعدواناً وظلماً.
فأجابه ابن عباس بكلامه العظيم: يا أمير المؤمنين، أما قولك: (ظلماً) فقد تبين للمسلمين.
-------------------------------------------------------------
[1] القرآن الكريم، 47، 9.
"الجاهل والحلماء، وأما قولك: حسداً، فإن آدم حسد، ونحن أبناؤه المحسودون".
فثار عمر، وصاح في ابن عباس: "إلى متى، إلى متى، والله يا بني هاشم، لقد أبت قلوبكم كل شيء إلا الحسد الذي لا يزول".
قال ابن عباس: تمهل يا أمير المؤمنين، لا تصف بهذا قلوب قوم أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً! [1]
لقد كشف هذا الحديث عن الحقد والكراهية التي كانت تكنها قريش لأهل البيت، فحولوا عنهم الخلافة، وظن عمر أنهم قد وفقوا في ذلك، ولكنهم لم يفلحوا في ذلك حقاً، ولم يصيبوا الرأي والعقل، فقد أدى اختيارهم إلى فوز الأمويين بالحكم وهم أعداء الإسلام، وكانت مذبحة كربلاء المروعة إحدى نتائج عداوتهم للإسلام، وذلك عندما أمروا قادتهم العسكريين بهدم واقتلاع أهل البيت وآل محمد (عليهم السلام)، وعلى هذا فقد قضوا على ذلك الاختيار الطاهر من بين آل محمد (عليهم السلام)، وقطعوا أطرافهم على تلال كربلاء، وأسروا نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). ولما وصل أسرى آل النبي (ص) إلى يثرب، توجه عمرو بن سعيد والي يزيد على المدينة إلى قبر رسول الله (ص) فرحاً، وخطب فيه، فقال له: يا رسول الله، يوم بيوم بدر! [2] ثم صعد منبر النبي صلى الله عليه وسلم فخطب في المسلمين فقال: أيها الناس إنها ضربة بضربة وزلزلة بزلزلة، وكم من موعظة بعد موعظة، وحكمة بالغة، ولكن الوعظ لا ينفع!
وكان يزيد قد قال قبله:
أنا لا أنتمي إلى خندف إذا لم أكن
الانتقام من أولاد أحمد.
وهذا هو خيار قريش الذي نجحوا فيه كما يقولون، لقد ظلموا آل بيت النبي الطاهرين الذين هم قرآن كريم، والذين يجب على المسلمين رعايتهم وإكرامهم، ولكن إنا لله وإنا إليه راجعون.
-------------------------------------------------------------
[1] ابن الأثير، تاريخ، ج. 3، ص. 24. ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج ٤. 3، ص. 107.
[2] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج ٤. 1، ص 361.
(4)
لقد تأملنا في الأحداث التي جرت في زمن الإمام أبي محمد الحسن (عليه السلام)، والتاريخ كما ذكرنا قد اختلطت فيه المواضيع إلى درجة يصعب معها على المؤرخ أن يصل إلى الحقيقة، ولكننا استنتجنا من تلك الأحداث أموراً كثيرة تتعلق بحياة الإمام الحسن (عليه السلام) والعصر الذي عاش فيه.
وقد صدر هذا الكتاب منذ اثني عشر عاماً، وكان قد نفد من الأسواق ولم يكن متوفراً فيها، فقام سماحة العلامة الكبير السيد محمد باقر النقوي حفظه الله بترجمة الكتاب إلى اللغة الأردية، وطبع في الهند في مطبعة كجهوبهر، وقد أراد كثير ممن اهتموا بهذه الأبحاث إعادة طبع الكتاب بعد نفاد طبعته، ولكنني أجلت ذلك إلى وقت آخر، لأنني كنت أتمنى أن أراجعه، ورأيت أن بعض فصوله بحاجة إلى مزيد من التوضيح والتفصيل، وقد ساعدني أخي الشيخ هادي القرشي، فقد أراد أن يراجعه ويراجعه، فلم أجد مفراً من الرد عليه، فراجعت المجلد الأول منه وأضفت إليه فصولاً كثيرة، وقد يجد القارئ أن هذه الطبعة تختلف عن الطبعة السابقة من حيث الإضافات الجديدة والطباعة الأنيقة والترتيب الرائع والإنتاج الدقيق الذي اشتهرت به مطبعة الأدب.
قبل أن أختم هذه المقدمة لا بد أن أشكر الحاج محمد رشاد عجينة على ما قدمه من مال لإعادة طباعة الكتاب، وأسأل الله أن يوفقه في تحقيق مساعيه وأن يجزيه خير الجزاء. إنه ولي ذلك والقادر عليه.
باقر شريف القرشي
النجف الأشرف
28 ذو القعدة 1384 هـ