حياة الإمام علي الهادي (ع) دراسة وتحليل العلامة باقر شريف القرشي

Imam Al-Khoei Islamic Store

سعر البيع $ 24.95 السعر العادي $ 34.95

ترجمة: عبدالله الشاهين

مقدمة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

بسم الله الرحمن الرحيم

نحن أمام إمام من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) ملأ الدنيا بفضائلهم وعلومهم، وأخلص لله حياته، وأخلص للحق بكل معاني الوفاء، إنه الإمام العاشر علي الهادي (عليه السلام)، الذي يطابق اسمه اسم جده أمير المؤمنين (عليه السلام)، رائد الحكمة والعدالة الاجتماعية في الأرض، وكان الإمام الهادي (عليه السلام) يشبه جده في الزهد والزهد في الملذات المادية.

ولم يقال عنه إنه اتبع هوى أو استسلم لأية هوى بعيد عن الحق، بل كان يفضل طاعة الله على كل شيء، وكان يحب ربه إلى الحد الذي جعله يقضي ليالي حياته في العبادة والدعاء والابتهال إلى الله تعالى.

وقد سرى الإيمان بالله في أعماق نفسه حتى أصبح من أبرز صفاته ومقوماته، وقد روي عنه الكثير من الأدعية السامية، والأدعية الحكيمة، وأقوال التوحيد الرائعة، مما يدل على أنه كان من أوائل القادة الذين أوقدوا مشعل الهداية والإيمان في الأرض.

لقد وهب الله أئمة أهل البيت (عليهم السلام) من العلم والحكمة والفضائل ما لم يهبها لأحد من خلقه، وما نقل عنهم من العلوم والمعارف العظيمة مبعث فخر واعتزاز، وقد امتاز صغار وكبار الأئمة المعصومين (عليهم السلام) بهذه الظاهرة.

لقد تولى الإمام الجواد (عليه السلام) الزعامة الدينية والسلطة العامة للأمة منذ نعومة أظافره، وكان عمره سبع سنوات وبضعة أشهر، وكان يُسأل عن أعقد المسائل الفلسفية والعقائدية والفقهية، فيجيب عنها كأنه عالم خبير، رغم أنه كان طفلاً صغيراً.

وبالطبع لا يوجد تفسير لذلك إلا ما يعتقده الشيعة الإثني عشرية، من أن الله قد منح الأئمة المعصومين (عليهم السلام) قدرات خارقة من العلوم والمعارف، كما منح أنبياءه العظام.

وكما كان الإمام الجواد (عليه السلام) أعجوبة الدنيا بمواهبه وذكائه، كذلك كان ابنه الإمام علي الهادي (عليه السلام)، وكان الإمام الهادي (عليه السلام) صغيراً حين أصيب بوفاة أبيه، فرجع إليه علماء الشيعة وفقهاؤه الذين كانوا شديدي الحذر في أمر الإمامة، وبحثوا في أمر الإمامة ما استطاعوا وبأقصى درجات الدقة.

فلما وجدوا الأدلة القاطعة على إمامته آمنوا به، ولم ينجروا إلى ذلك الأهواء والأوهام، بل رأوا أنهم مسئولون عن ذلك أمام الله، لأن الإمامة عندهم من أصول الدين.

وعلى كل حال فإن علماء وفقهاء الشيعة سألوا الإمام الهادي (عليه السلام) وهو في ريعان شبابه عن علوم مختلفة فأجابهم بأجوبة الخبير، مما جعلهم يعتقدون بإمامته، وهذا جعلهم أكثر إيماناً ويقيناً بما يقولون.

كان يعتقد أن الإمام يجب أن يكون أعلم أهل زمانه، سواء كان صغيراً أو كبيراً.

لقد أذهلت معرفة الإمام الهادي (عليه السلام) وفضله وتعمقه في علوم القرآن والسنة العقول وأثارت الاجتماعات والتجمعات في كافة أرجاء العالم الإسلامي وهم منشغلون بمناقشة كنوزه العلمية اللامحدودة.

وقد آمن عدد كبير من المسلمين بإمامة الإمام الهادي (عليه السلام) ووجدوا من الواجب عليهم اتباعه وطاعته، وكانت تُحمل إليه أموال طائلة من الحقوق الشرعية الواجبة عليه، فضلاً عن الهدايا والتبرعات التي كان المسلمون يقدمونها إليه. وقد أبلغ المحققون ورجال الشرطة هذا التدفق بالتفصيل إلى المتوكل الخليفة العباسي الذي كان أشد أعداء العلويين وأتباعهم من الشيعة. فغضب الخليفة غضباً شديداً من هذا الاحترام الخاص وحسده عليه، وأمر بنقل الإمام الهادي (عليه السلام) إلى "سر من رأى" .

وقد فرض عليه الإقامة الجبرية هناك لمراقبة جميع نشاطاته، وتحديد أتباعه، ومنع وصول الأموال إليه، ومنع العلماء والرواة من معاشرته. وقد عانى الإمام الهادي (ع) كثيراً في عهد المتوكل الذي كان يأمر رجاله بين الحين والآخر بتفتيش بيت الإمام الهادي (ع) وإحضار الإمام (ع) إليه، مهما كان.

وقد حضر الإمام الهادي (ع) ذات يوم مجلس المتوكل، وكانت كؤوس الخمر منثورة، والمغنون والمغنيات يغنون بآلاتهم، والمتوكل الخليفة سكران، وقد أحاطت به جماعات المغنين والمدللين، فلم يكن الإمام الهادي (ع) يحترمه ولا يخاف سلطانه، بل أخذ ينصحه ويذكره بالآخرة وينتقد حاله من اللهو واللهو والمتعة، وسنتحدث عن هذا بالتفصيل فيما بعد إن شاء الله.

كان الإمام الهادي (عليه السلام) الممثل الوحيد لجبهة المعارضة للحكم العباسي، وأحد أبرز زعماء الأمة الذين ناضلوا ضد الظلم والجور، وقد اتخذ موقفاً شجاعاً ثابتاً في مواجهة ملوك عصره، ولم يخالط أحداً منهم، بل آثر الابتعاد عنهم، فحملوا له الحقد والكراهية، وناولوه القسوة والعنف.

ولو كان الإمام الهادي (عليه السلام) يمازح ملوك عصره أو يمازحهم لما فرضوا عليه الإقامة الجبرية في سر من رأى، أو الحصار الاقتصادي الذي أوصله إلى الإفلاس الشديد أو منعه من لقاء أتباعه. لقد آثر الإمام الهادي (عليه السلام) رضا الله ومصلحة الأمة على كل شيء آخر، ولذلك أعرض عن هؤلاء الملوك الذين فرضوا سلطانهم بالقوة والقهر.

وفي هذا الكتاب سوف نرسم صورة واضحة عن سياساتهم وحياتهم كما نقلتها أوثق مصادر التاريخ.ولم يكن الإمام الهادي (عليه السلام) مبتلى بملوك بني العباس في عصره فحسب، بل كان كل المسلمين مبتلين بهم، فقد لعب العباسيون بأصول الدين حتى لم يبق من الإسلام في عهدهم ظل كما كان.

لقد استغلوا اقتصاد الأمة لإشباع ملذاتهم، وأنفقوا ثروات المسلمين على المغنين والمدللين، وكانت لياليهم الحمراء في بغداد وسامراء مليئة بكل ما حرم الله، لقد أعرضوا عن مبادئ الإسلام تماماً، وانغمسوا في الملذات والشهوات.

إن دراسة عصر من العصور تعتبر من البحوث المنهجية في دراسة حياة من يعيش في ذلك العصر، لأنها تكشف عن جوانب مهمة من الحياة الفكرية والاجتماعية والسياسية في ذلك العصر، وعلى ضوء هذه الحقيقة يجب علينا أن ندرس عصر وزمان الإمام الهادي (عليه السلام) ونغطي كافة جوانبه، لأنه كان له تأثير على حياة الإمام الهادي (عليه السلام).

لقد كان عصر الإمام الهادي (ع) مليئاً بالأحداث الرهيبة، وكان أبرزها سيطرة الأتراك على جميع شؤون الدولة، واستحواذهم على الاقتصاد العام، لدرجة أن ملوك العباسيين كانوا معدومي النفوذ، بعيدين عن جميع شؤون الدولة الداخلية والخارجية.

وعندما كان الأتراك راضين عن الخليفة العباسي أبقوه في منصبه، وعندما لم يكونوا راضين عزلوه أو قتلوه، وبسبب ذلك واجهت الأمة أزمة خطيرة، حيث لم يكن الأتراك مؤهلين للحكم وإدارة الشؤون السياسية للدولة، حيث كانوا بدوًا لا حضارة لهم ولا إدارة.

وقد ذكر الكتاب أصحاب الإمام الهادي (ع) وتلامذته ورواة أحاديثه، وأظنني وحدي من درس حياة الأئمة المعصومين (ع) بهذه الطريقة، لأن الدراسات الحديثة لم تعر هذا الجانب أي اهتمام أو أهملته، وأعتقد أن دراسة هذا الجانب تكمل دراسة حياة الإمام لأنها تبين جوانب حياته الفكرية والثقافية ومدى علاقته بالناس وعلاقة الناس به.

وفي الوقت نفسه هناك معلومات مهمة عن الإمام لم تذكر في كتب السير التي تناولت سيرته ولكنها ذكرت في سير أصحابه، وهذا الكتاب ليس الأول الذي كتب عن حياة الإمام الهادي (عليه السلام)، فقد كتب العلامة الشيخ ذبيح الله عنه تفصيلاً، وقد خصص المجلد الثالث من موسوعته (المآثر الكبرى) للإمام الهادي (عليه السلام) عند الحديث عن مدينة سامراء.

كما ألف الأستاذ عبد الرزاق شاكر البدري الشافعي كتاباً بعنوان (حياة الإمام العاشر علي الهادي)، وأظن أن ما كتب حتى الآن عن هذا الإمام العظيم، بما في ذلك هذا الكتاب، لا يشمل جميع فضائله وأعماله واهتماماته، ولكنه يلقي الضوء على جوانب من شخصيته العظيمة، التي كانت استمراراً لحياة آبائه الذين امتلكوا كل فضائل الدنيا ومناقبها.

وأجد من واجبي في نهاية هذه المقدمة أن أتقدم بالشكر والتقدير الكبير لسماحة أخي العلامة الجليل الشيخ هادي شريف القرشي (رضي الله عنه) على ما قدمه من مساعدة صادقة في تأليف هذا الكتاب، فقد اطلع على مصادر عديدة منها بعض الموسوعات مثل "وسائل الشيعة" وغيرها، وأطلعني على كثير من المعلومات عن حياة الإمام أبي الحسن الهادي الزكي (عليه السلام)، أسأل الله أن يجزيه خير الجزاء، كدعاء صادق من أخ لأخيه.

النجف الأشرف

باقر شريف القرشي