حياة الامام الحسن العسكري (ع) دراسة وتحليل باقر شريف القرشي

Imam Al-Khoei Islamic Store

سعر البيع $ 29.95 السعر العادي $ 35.95

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الإمام أبو محمد الحسن بن علي العسكري (عليه السلام) هو الإمام الحادي عشر من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) الذين حملوا لواء الإسلام، ونهضوا بأهداف الدين الحنيف، وضحوا في سبيله بأرواحهم. ، واعوذوا من الكوارث والصعوبات والمصاعب من أجل نشر القيم السامية وأهداف هذا الدين… وكم قدموا للمسلمين من نعم!

كان لهذا الإمام العظيم مواهب وطاقات فكرية وعلمية جعلته من عباقرة الفكر البشري، كما كان من أبطال التاريخ بصموده للأحداث المختلفة ووقوفه في وجه الحكم العباسي الظالم المنحرف، وثار على الأنظمة الفاسدة، ولم يدخر جهداً في تحقيق الحق والعدل بين الناس.

لقد كان الإمام أبو محمد (عليه السلام) يشبه آباءه في ميوله وأهدافه، وكانوا جميعاً يشبهون بعضهم بعضاً في الوصول إلى أعلى مراتب الفضيلة والكمال.

ولم يكن في علمه الواسع في عصره مثله، ويقول المؤرخون إنه كان أعلم الناس بالأحكام والأمور الدينية، وكان جميع علماء عصره في حاجة إليه ليستقوا منه من منابع علمه وعلومه.

وكان من أعبد أهل زمانه، وأعظمهم عبادة، وآثر طاعة الله على كل شيء، وكان أصبر الناس وأحلمهم، يكتم غضبه ويعفو عمن ظلمه، وكان أجود الناس وأرحمهم بالفقراء وأصدقهم بالمحتاجين، وقد نصب وكلاء في كثير من بلاد العالم الإسلامي يعهد إليهم بتوزيع الحقوق الشرعية التي تصل إليه على فقراء المسلمين وضعفاءهم لإخراجهم من فقرهم وحرمانهم، بينما كان هو يعيش مثل الفقراء، لا يلتفت إلى ملذات الدنيا وشهواتها كآبائه الذين أعرضوا عن الدنيا وأقبلوا على الله والدار الآخرة.

ويذكر المؤرخون أن الناس كلهم ​​كانوا يعظمون الإمام العسكري (عليه السلام) ويكرمونه ويعترفون له بفضيلته وتفضيله على كل العلويين والعباسيين في عصره. فلما دخل الإمام (عليه السلام) القصر العباسي قام كل من رافقه وانحنى له تعظيماً وتعظيماً. وكان الوزراء والكتبة وقادة الجيش وكل رجال الدولة يعظمونه إلى هذا الحد. وكان الفتح بن خاقان رئيس وزراء المتوكل يفضل الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) على كل العلماء والعلماء الكبار ويعترف بأنه لا أحد يتصف بالفضائل والصفات التي كان يتصف بها الإمام (عليه السلام) في ذلك العصر.

لقد كان من الطبيعي أن تعظم الأمة بكل طبقاتها الإمام أبي محمد (عليه السلام) وتعظمه، لما رأته من هدايته وورعه واستقامته وزهده وولائه للحق وإخلاصه لله، وتيقنت أنه خليفة الله في الأرض والممثل الوحيد لجده الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله). إضافة إلى ذلك فقد حمل الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) القضايا المصيرية للأمة الإسلامية ودافع عن حقوق المسلمين، وانتقد حكام زمانه على ظلم الناس وإهمال حقوقهم، لذلك عظمته الأمة واعترفت بقيادته اللازمة.

ولقد غضب الملوك العباسيون حين رأوا وسمعوا أن الجماهير تعظم الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، وأن أعداداً كبيرة من المسلمين آمنت بإمامته، ورأوا أنه أحق بالخلافة من العباسيين الذين لم تكن فيهم صفة تؤهلهم للخلافة الإسلامية. وامتلأت قلوب الحكام العباسيين بالحقد على الإمام (عليه السلام)، فاتخذوا ضده إجراءات شديدة، ففرضوا عليه الحصار الاقتصادي، ووضعوه تحت الإقامة الجبرية في سامراء، وحاصروه بالشرطة والمباحث ليراقبوا حتى أنفاسه، وعاقبوا كل من اتصل به بعقوبات شديدة. وكان هذا ـ فيما أظن ـ هو السبب الذي جعل قِلة من الرواة يروون عنه الأحاديث، فلم ينقل عنه إلا القليل من الأقوال والآداب والأحكام الشرعية.

وهناك سبب آخر حساس جداً دفع العباسيين لمراقبة الإمام الحسن العسكري (ع) مراقبة شديدة، وهو أن الإمام الحسن العسكري (ع) هو والد الإمام محمد المهدي (ع) المنقذ والمصلح المنتظر الذي سيملأ الأرض عدلاً ويهلك الظالمين والظالمين، وقد بشر النبي (ص) وأوصياؤه وأخبروا الأمة بأن هذا المنقذ سينشر العدل السياسي والاجتماعي في الأرض، وآمن بذلك جميع المسلمين على اختلاف مشاربهم، لذلك خاف العباسيون من ذلك وظنوا أنه سيزيل حكمهم وسلطانهم، فنشروا الجواسيس على الإمام الحسن العسكري (ع) لمعرفة ابنه، وأرسلوا الجواسيس ليروا أي من زوجاته ستلد مولوداً ذكراً فيؤخذ، ولكن الله تعالى جعل حمل الإمام المهدي (ع) وولادته مجهولين كما جعل ولادة النبي موسى (ع) مجهولة على فرعون.

يتناول هذا الكتاب عصر الإمام العسكري (عليه السلام) وأحداثه كافة، ودراسة العصر ضرورية لأنها تلقي الضوء على الحياة الفكرية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية في ذلك العصر، ومن الطبيعي أن يكون لها تأثير مباشر على حياة من يعيش في ذلك العصر، فضلاً عن أنها تكشف عن أبعاد حياته وشخصيته ومدى تأثير أحداث ذلك العصر عليه.

ويوضح الكتاب الحياة الاقتصادية في ذلك العصر التي لم تكن سليمة ولا مستقرة، بل كانت مضطربة مشلولة، فلم تحقق الحكومات العباسية في عصر الإمام العسكري (عليه السلام) اليسر للناس ولا الحياة الكريمة التي أرادها الإسلام للأمة، وتراكمت الثروات الطائلة في أيدي أفراد الأسرة العباسية ورجال الدولة وعملائهم، فأنفقوا ببذخ واستولوا على كنوز الأرض، بينما كانت أغلب الشعوب الإسلامية تعاني الفقر والحرمان، فضلاً عن الآلام والمعاناة والاستعباد التي واجهتها من قبل موظفي الحكومة في جباية الضرائب وغيرها.

وقد قدمنا ​​أيضاً دراسة عن ملوك عصر الإمام العسكري (عليه السلام)، فكان أغلب هؤلاء الملوك تافهين غير مؤثرين، خاضعين لشهواتهم ورغباتهم، مولعين بالجواري والمغنيات، وكانت لياليهم الحمراء مليئة بالضلالات، ولم يبالوا بما أمر الله به أولياء أمور المسلمين من أجل تحسين الحياة العامة للأمة، وتقديم الخدمات الضرورية للناس، وإيجاد فرص متكافئة لجميع المواطنين. ولكن أغلب ملوك العباسيين لم يفعلوا شيئاً من ذلك، بل استولوا على أموال الله لأنفسهم، واستعبدوا أهل الله، وحكموا الأمة بالعنف والظلم، وعهدوا إلى الأتراك القساة الجهلة الذين لا يعرفون الإدارة والسياسة بالسلطة المطلقة على الأمة، فأغرقوا الأمة في الفتن والكوارث.

إن الإخلاص يفرض على الباحث في التاريخ أن ينظر في الوقائع التاريخية بدقة وتدقيق، فقد اختلطت الحقائق والأحداث التاريخية أو حرفت أو اختلقت لأن بعض المؤرخين قصدوا أن يتجاهلوا أخطاء بعض الملوك والحكام، وحاولوا أن يمدحوهم بألقاب نبيلة وصفات حميدة لم يكونوا يتحلون بها، في حين أن هؤلاء الملوك والحكام كانوا أسوأ الطغاة الذين ألقوا بالأمة في هاوية الظلم والفساد، واستغلوا اقتصاد الدولة لملذاتهم وأهوائهم، وأصابوا العامة بالفقر والبؤس. وليس من الإخلاص ولا من الحق أن ننظر إلى هؤلاء الطغاة بعين القداسة والقداسة، وأن نثق فيهم باعتبارهم شخصيات مثالية. ومن الضروري أن ندرس التاريخ الإسلامي بتأمل وتجرد وبعيداً عن أي تعصب، ولابد أن يكتب المؤلفون من أجل الحقيقة ومصلحة الأمة.

وقد ذكرنا في هذا الكتاب أيضاً طائفة من الفقهاء والعلماء والرواة الذين رووا عن الإمام أبي محمد العسكري (عليه السلام) وأخذوا من علومه ومعارفه، وهذا أمر ضروري ـ فيما أظن ـ لأنه يكمل البحث في شخصية الإمام (عليه السلام) الكريمة، لأنه يبين مدى ارتباطه برجال العلم وارتباطهم به في تلك الفترة الحرجة التي كانت فيها الحكومة العباسية تضع الإمام تحت المراقبة الشديدة وتعاقب من خالطه، وقد أثر هذا الحبس على الإمام (عليه السلام) وألحق به ألماً شديداً، إذ لا شيء أشد إيلاماً على العباقرة والموهوبين من منعهم من إظهار علومهم ومعارفهم ونقل آرائهم وأفكارهم من بعدهم.

وهنا أجد من باب الشكر والولاء للجهود العظيمة التي بذلها العلامة الجليل أخي الشيخ هادي شريف القرشي الذي استعرض بعض المراجع المتعلقة بموضوع هذا الكتاب إلى جانب توجيهاته المفيدة وإرشاداته القيمة، أسأل الله أن يجزيه خير جزاء ما يجزي به أوليائه من أهله.

النجف الأشرف
باقر شريف القرشي